Рет қаралды 225,655
هنا يطرح السؤال الثاني نفسه بالضرورة:
إذا كان القرآن موجوداً فعلاً قبل الإنزال والتنزيل، فما هو هذا الوجود وبأي صورة كان موجوداً؟ فإذا كان القرآن موجوداً بالصيغة اللسانية العربية التي نراه عليها الآن والتي نستوعبه من خلالها وهو كلام الله وآيات الله والقصص لكان الاستنتاج المباشر لذلك بأن الله عربي. وبما أن كلام الله هو عين الموجودات ونواميسها العامة التي تحكم الوجود خزنت بشكل ما في لوح محفوظ وفي كتاب مكنون. ففي كتاب مكنون يوجد البرنامج العام للكون، وفي لوح محفوظ يوجد هذا البرنامج وهو يعمل. وفي إمام مبين توجد قوانين الطبيعة الجزئية التي يتم التصريف من خلالها وأحداث التاريخ بعد وقوعها.
فالقرآن في لوح محفوظ وفي إمام مبين هو من علم الله، وعلم الله هو أعلى أنواع علوم التجريد، وأعلى أنواع علوم التجريد هو الرياضيات لذا قال: {وأحصى كل شيء عدداً} (الجن 28) أي أن علم الله بالموجودات هو علم كمي بحت. فالإحصاء هو التعقل، والعدد هو حال الإحصاء. هذا القرآن موجود في لوح محفوظ وإمام مبين بصيغة غير قابلة للإدراك الإنساني وغير قابلة للتأويل، وبصيغة مطلقة.
فعندما أراد الله أن يعطي القرآن للناس فالمرحلة الأولى كانت تحويله إلى صيغة قابلة للإدراك الإنساني النسبي، أي جرت عملية تغيير في الصيرورة. وهذا التغيير في الصيرورة عبر عنه في اللسان العربي في فعل “جعل”. إذ قال: {إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون} (الزخرف 3) أي كان له وجود مسبق قبل أن يكون عربياً فجعله عربياً “أي في صيرورته” وهذا معنى الجعل.
ولكنه أيضاً قال: {إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون} (يوسف 2) والإنزال هو نقل غير المدرك إلى المدرك. أي كان القرآن غير مدرك “غير مشهر” فأصبح مدركاً، وهذا ما جاء في الإنزال. أي أن:
الجعل: هو التغيير في الصيرورة.
الإنزال: هو النقل من صيغة غير مدركة إلى صيغة مدركة “الإشهار”.
والآن لماذا وضع الجعل والإنزال على أنه عربي؟ أقول إن الجعل هو تغيير في الصيرورة فيمكن أن تغير صيرورة القرآن من شكل غير قابل للإدراك إلى شكل آخر غير قابل للإدراك، لذا قال: {إنا جعلناه قرآناً عربياً) والإنزال هو نقل من غير المدرك إلى المدرك لذا قال: {إنا أنزلناه قرآناً عربياً).
ففي القرآن تلازم الجعل والإنزال أي جعل وأنزل عربياً. أي أن القرآن الموجود بين أيدينا ليس عين القرآن الموجود في لوح محفوظ وإمام مبين، وليست صيغته نفس الصيغة الموجودة فيهما. وإنما هو صورة قابلة للإدراك الإنساني “الإنزال” تم التغيير في صيرورتها “الجعل” حتى أصبحت مدركة، ثم وصلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مادياً عن طريق الوحي “التنزيل” والنبي صلى الله عليه وسلم نقلها آلياً إلى الناس.
وقد تم جعل القرآن وإنزاله عربياً على دفعة واحدة. وهذا ما حصل في ليلة القدر حين قال تعالى {إنا أنزلناه في ليلة القدر} (القدر 1) وهكذا نفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه في ليلة القدر نزل القرآن إلى السماء الدنيا. أي أصبح قابلاً لأن يدرك من قبل الناس التي تعيش الحياة الدنيا وأشهر. وبما أنه في ليلة القدر تم إشهار القرآن، فقد قال: {ليلة القدر خير من ألف شهر} (القدر 3).
لك أن تذهب بكلمة شهر إلى أنها من الشهرة والإشهار القانوني الملزم للبيع والشراء. ولا يلزمك أن تفهم “الألف” على أنها عدد، بل جاءت من فعل “ألف” وهو ضم الأشياء بعضها إلى بعض بشكل منسجم، ومنه جاءت الألفة والتأليف. أي أن إِشهار القرآن خير من كل الإشهارات الأخرى مؤلفة كلها بعضها مع بعض. وقال أيضاً: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين} (الدخان 3) وقال: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس.. الآية} (البقرة 185). لاحظ في الآيات الثلاث أن فيها فعل أنزل، والإنزال تم دفعة واحدة وكان عربياً {إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون} (يوسف 2).
- التنزيل: هو نقلة مادية حصلت خارج الوعي الإنساني كالنقل بالأمواج، ولكن حصلت عن طريق جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وهو الذي تم على مدى ثلاثة وعشرين عاماً. ففي القرآن تلازم الجعل والإنزال وحصلا دفعة واحدة، وافترق التنزيل حيث جاء في ثلاثة وعشرين عاماً. لذا بعد الجعل والإنزال قال: {في صحف كرة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرام بررة} (عبس 13-16).
وبما أن القرآن له وجود مسبق وجاهز قبل التنزيل وحصول التنزيل منجماً يبرز السؤال التالي: لماذا لم يتم التنزيل “النقلة الموضوعية بعد الجعل والإنزال” دفعة واجدة؟ وكان الجواب على هذا: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملةً واحدةً كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً} (الفرقان 32) ولفهم لماذا تم تنزيل القرآن على دفعات اقرأ الفصل حول الفؤاد حول الفؤاد وحول أنواع الوحي.
قد يقول الفقهاء إن للتنزيل في القرآن أسباباً، وأقول إن القرآن ليس له علاقة بأسباب النزول لأنه كان سيأتي سُئل عنه أو لم يسأل، حيث أن معظم الأسئلة كانت في أم الكتاب أو تفصيل الكتاب. ومجال حديثنا هو القرآن. أما بالنسبة للقصص فقد تم سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الكهف وذي القرنين، ولكن السؤال هنا ليس له معنى لأن قصة أهل الكهف وذي القرنين كانت ستأتيه على كل حال سئل أو لم يسأل لأن بقية القصص جاءت كلها دون سؤال.
للقرآن وجود قبل الإنزال والتنزيل، ومن هذا يفهم بأن أسباب النزول ليس لها أي معنى في القرآن، لأن تنزيل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم هو حتمي، سُئل عنه أو لم يُسأل
.............................................................................(الإنزلال والتنزيل)...الدكتور محمد شحرور.
شكرا جزيلا لكل متابعي قناة (تبيّن لي) , لدعم القناة (وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين)
يرجى فقط دعمنا بالدعاء لنا بالصحة والتوفيق والرضا وشكرا لكم ............صفوان جانو