استقبال مدينة حماة لشهر رمضان المبارك
كتبها
أ. محمد عماد العطار
أ.محمد عصام علوش
تنفيذ وميكساج
جورج نعمة
في ليلة التاَّسع والعشرين من شهر شعبان كان الحَمويُّون يتقاطرون إلى القلعة يتقدَّمهم الشيخ " محمد علي
المراد، وأحمد نعسان اﻷحدب ( أبو عزو )" رحمهما الله تعالى لتحرِّي رؤية هلال شهر رمضان
المبارك، وﻷبي عزُّو اﻷحدب في تحرِّي هلال كلٍّ من رمضان وشوَّال شأنٌ كبيرٌ، فقد كان يَتحرَّى الهلال
في غرَّة كلِّ شهر قمريٍّ على مدار السَّنة كلِّها، حتَّى إنَّه ليكاد يعرف إن كان سَيُرى الهلال أو لا، فقد كان
النَّاس يذهبون إليه في دكَّانه في الدَّبَّاغة إذ كان يعمل في تصليح الأحذية؛ ليسألوه أغدًا صيام ٌأم إفطار؟
وغدًا عيدٌ أم لا؟ ... ما إن يرى أبو عزُّو اﻷحدب ومجموعةُ المتحرِّين في القلعة الهلالَ قبل أذان المغرب
بدقائق معدودة، حتَّى ينزل اﻷطفال منها مُسارعين لتبشير اﻷهل في البيوت، وشراء "الفطاريّة" من
السُّوق، وهي تشمل السمسميّة، والفستقية، والمَصَّاص، والنَّبُّوت المصنوع من جوز الهند، والبسكويت
والرَّاحة والعلِّيكة، والعلك، والقضامة السكَّريِّة وغير ذلك، يهيِّئونها للإفطار عليها في مَغرب اليوم التاَّلي،
أما رسميًّا فيثبت دخول شهر رمضان بإطلاق المدافع من القلعة، وإضاءة أنوار المآذن، وبث رؤية هلاله
في الإذاعة، وممَّا يسجَّل للحمويِّين أنَّهم ظلوا يفخرون لعقود متتابعة بأنَّهم هم من كان يُثبت دخول الشهر
المبارك الكريم ليس في بلاد الشام وحدها بل في معظم أقطار العالم العربيِّ والإسلاميِّ .. لا أدري لِمَ كان
الشُّعور بجمال السّحور مختلفًا في تلك اﻷيَّام؟ فقد كان استيقاظ اﻷسرة بكاملها لتناول الوجبة، وقراءة
القرآن، وسماع الموشَّحات الدِّينية من الرَّاديو أو من المنشدين في المساجد القريبة، وكان من أبرزهم
مصطفى الرَّهوان، والمعاليقي، وعبد الرحمن خيّاط، واليغمور وغيرهم، بالإضافة إلى أداء صلاة الفجر
جَماعةً كلُّ ذلك كان يشكِّل حدثا استثنائيَّا، وكانت دروس بعض الدُّعاة إلى الله تشكِّل عامل جَذْبٍ
للمقصِّرين الذين تَغصُّ بهم المساجد في رمضان دون غيره من الشُّهور، أذكر من هؤلاء الدُّعاة الأستاذ
مصطفى الصَّيْرفي حفظه الله في دروسه الدَّعَويَّة المتعاقبة على سنواتٍ في جَامعيْ الأحدب والمسعود،
وكيف كان يشدُّ النَّاس ويؤثر فيهم بأسلوبه السَّهل الممتنع... في صَبيحة رمضان يصحو الجميع صائمين،
ولكن يُنصَح اﻷطفال في منتصف النَّهارأنْ يصوموا على درجات "المادْنِة" المادنة، أوعلى أفُّورة
الخبز، كناية عن الصِّيام التَّدريجيِّ... أمَّا مَن يُعاند ويستمرُّ منهم في الصِّيام، فقد كان يصعد السَّطح قبل
المغرب بساعة أو أكثر لتحرِّي إعلان اﻷذان،
فكلَّما أضاءت مئذنةٌ بشَّرتُ أهلي بها على التَّتابع: مئذنة جامع الأحدب، ومئذنة جامع الأشقر،
ومئذنة الجامع الجديد، ومئذنة جامع الشّيخ إبراهيم... إلى أنْ تضيء مئذنة جامع السُّلطان مع ضَرْب
المدفع من القلعة معلنةً دخول الوقت وبدء اﻷذان بصوت الحاج مصطفى الرَّهوان... وعند سماع صوت
المدفع كنت أصرخ مع الإخوة والأقارب وأبناء الجيران: (طاطا يا طاطا، صحن السلطة، كبة على
رغيف، قالوا يا لطيف، يشعل ضو، ويطفي ضو ، يدق المدفع بو، بقلب العدو...) ثم نبدأ بالتهام الفطاريّة
التي أعدَدْناها قبل الطَّعام، وثاني اﻷمريْن أنَّني بدأت أصوم من الصَّفِّ الثاَّني الابتدائي، وهنا لا أنفي عن
نفسي أنها كانت تختانني في بعض اﻷحيان، فألحَسُ من الشَّراب أو المصَّاص لحسةً أو لَحْسَتيْن قبل
اﻷذان بدقائق معدودة، وأعيد اللُّفافة كما كانت دون أن ينتبه أحد، وأنَّني كنت أفرح كثيرًا إذا أكلتُ أوشربت
ناسيا.
لا.. وكان الأهل بدوْرِهم يُسهِّلون على الطفل أمْرَ الصِّيام ويشجِّعونه عليه، فإذا بلغ رمضان
يومه العاشر قالوا له: "بسِّ انْ عشَّرْ بشَّرْ"، وإذا بلغ يومه السَّادسَ عشر، قالوا له: "مال القبَّان" إيذانًا
بوصول الشَّهر إلى العد التنازلي... في اليوم الخامس عشر من رمضان كان الأطفال يطوفون على البيوت
بيتا بيتا يدقون الأبواب قائلين: (عطونا سحوركم حتى النبي يزوركم) فإذا أعطتهم صاحبة البيت شيئا من
الحلويات أو المكسرات قالوا: (طاسة فوق طاسة، صاحبة الدار ألماسة) وإذا لم تعطهم شيئا ذموها بكلام
ليس هنا موضعه... وهذه العادة نفسها منتشرة في دول الخليج العربي وتعرف فيه بـ (القرقيعان)...
منذ اليوم اﻷوَّل من رمضان كنَّا نجتمع حول الوالدة ـ رحمها الله ـ لنضع معها جدول وجبات اﻹفطار
الرمضانيِّ، بما تشتملُ عليه من تنوُّعٍ في الطَّبخات، والفواكه، والحلويَّات، نختارُ منها ما لذَّ وطاب لمدة
ثلاثين يومًا، إذ كانت تنتعش في رمضان أنواعٌ من المقبِّلات تلازم أيَّامه كالحمّص، وفتّة الحمّص، والفول
المدمس، والتَّبولة، والمتبَّل، والباطرش، والمعكرونة، والسَّمبوسِك، ومن المشروبات: السُّوس،
والتَّمرهندي، وشراب التُّوت، ونقوع القمر الدِّين وأنواع العصائر والأشربة المتنوعة الأخرى، ومن
الحلويات: السَّيالات، والمشبَّك، والقطايف، والشِّلِّق، والنَّمُّورة في فصل الشِّتاء خاصَّة، والرز بحليب
والخشاف في فصل الصيف خاصَّة، وكان يلاحظ تزاحم النَّاس على محلَّات بائعي الحلويَّات: الرّوادي،
والقحف، وسلُّورة، وجنيد، وقاروط والشَّاوي لتأمين الحلويَّات التي لا تصنع في البيوت كحلاوة الجبن،
والشعيبيَّات، والفيصليَّات، والكنافة، والبقلاوة، وأنواع البوظة الشهيرة، وقد كنَّا نُسَرُّ كثيرًا للسَّهَرات
الرَّمَضانيَّة التي تجمع الأقارب والجيران في لياليه الجميلة، وما يتخلَّلها من أصناف المأكولات
والمشروبات والمسلِّيات، وما يتخلَّلها أيضًا من النكات المسليَّة والمقالب والفكاهات، وكنا نفرح كذلك إذا
كلَّفنَا الأهل بحمل ما يسكبونه للجيران من الطعام، ونفرح أكثر عندما نعود من عندهم بصحن مماثلٍ أو
صَبَّةٍ مماثلةٍ، وبما يجودون علينا به من "الفطارية" نملأ بها جيوبنا
#أغاني_حماة
#حماه_باحماه_ياأحلى_بلد