Рет қаралды 40,322
فالترتيل: هو الهيئةُ الكُليّة لقراءة القرآن الكريم، وأفرادُ هذه الهيئة هي التي يذكرها القراء من الحدر، والتحقيق، والتدوير.
وذكر بعض السلف في تفسير {وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا}: أي اقرأه على مهل وتؤدة؛ أي: كقراءة النبي صلى الله عليه وسلم، فليس هذا دليلًا على قراءة التحقيق، أو أن هنالك نوعٌ من أداء القرآن يسمى الترتيل، بل المعنى: اقرأه كما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في تؤدة وتمهلٍ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ قراءة مفصلةً -يعني واضحةً بيّنةً-؛ لأن تفصيل القراءة يُعينُ على فهمها، ومن هذا: باب الوقف والابتداء عند السلف، وقد كان هذا الباب عظيم القدر عند السلف، لأن الوقف في الآية معينٌ على فهم معانيها.
فمثلاً قوله تعالى: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ}، ليس المعنى الّذي تؤديه كما إذا قرأت: {كَلَّا}، {لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ}، فإن {كَلَّا} متعلقة بما قبلها في إنكار ما فيه، ثم مؤسسةٌ لما بعدها بالوقف {لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ}، ومما بزَّ فيه أهلُ المغرب على المشارقة أنهم يتلقون القرآن حِفظاً بوقفه، فليس مرادهم في الحفظ مجرد الكلمات، بل إنّهم يحفظون كلَّ وقفٍ، ونوعَ ذلك الوقف في كلِّ آية من آيات القرآن الكريم؛ ولهذا إذا اجتمعوا على قراءة -كما عندهم كما يسمى قراءة الحزب في طرفي النهار-، يقرؤون بنفسٍ ويقفون بنفس، فالمبدأُ معلوم والمقطعُ معلوم، ولأجل هذا كانت عناية السلف بعلم الوقف والابتداء عظيمة كما يعلم من كِتَابِ"المُقتَفَى" لابن الأنباري وغيره، أما الناس فصاروا لا يأبهون بهذا العلم، بل صار بعض الناس يقول: إنه تقييدٌ لقراءة القرآن، وفي الحقيقة: هو معين على فهم القرآن الكريم، وكم من آيةٍ كان المعينُ على فهمها الوقفُ فيها، فإن الإنسان إذا وقف في مقطعٍ من آية أسفرَ ذلك الوقف عن معناها، وإذا كان لا يبالي بالوقف ربما دمج معنىً في معنى، كما في آخر آيةِ في سورة الإنسان؛ وهي قوله تعالى: {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ}، هكذا سمعتُ واحدا يقرأ! وقف على هذا اللفظ: {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ}، وإذا قلت له: يا أخي هذا الوقف قبيح، قال: النفس قصير. طيب اقصره جزاك الله خيرا وقف على ما قبلها.
وكما حدثني أحد المشايخ شفاه الله أنه صلى خلف رجلٍ قال في قول الله تعالى في سورة يوسف: {وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ}، يقول الشيخ هو في دعابة: قلت له: يا ولدي يوسف أكل المتاع؟! فمثل هذه الأوقاف تسيءُ فهم القرآن الكريم، كما أن الوقف الصحيح يعينُ على فهم القرآن الكريم، وهذا هو معنى قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا} أي: اقرأه على مهل وتؤدة.
ومثل ما يؤذي في فهم القرآن الكريم مما عليه القراء اليوم: الخروجُ به عن نَسَقِهِ المُتَلقَّى؛ كالذين يُبالغون في المدود والغُنَنِ والألحان وأشباه هذا، فإن هؤلاء آثمون، لأنهم خارجون عن سَنن القراءة المُتَلقَّاة، وهم يطربون الناس ويحزنونهم بهذه الأفعال التي يفعلونها، وصارت هذه القراءة هي مطلوبُ أكثر الناس، لأنهم لا يعون حقيقة القرآن الكريم في فهمه وتلقيه.
- التقرِيرَات على (قاعدة في فضائِلِ القرآن) | لشيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّة.