عظة الأب سمعان أبو حيدر في أحد جميع القدّيسين
الأحد ٣٠ حزيران ٢٠٢٤ - كنيسة الظهور الإلهي - النقاش
سحابة من الشهود
باسم الآب والابن والروح القدس. آمين.
يا أحبّة، لا ينفرد المؤمن حقًا في الصلاة وجهًا لوجه مع الله، هكذا صلاة لا تمتُّ بصلة الى الإيمان المسيحي. حتّى عندما يدخل مخدعه ويصلّي الى ابيه في الخفية، يكون بمعيّة «سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا» (عب ١٢: ١). نحتفل اليوم بـ«أحد جميع القدّيسين» بهذه «السحابة العظيمة من الشهود». كما يصدف أيضًا اليوم «عيد جامع للرسل الاثني عشر» الذين «ولدونا في المسيح بالإنجيل».
١. الشركة. بحسب إيماننا بالثالوث القدّوس، كلمّا وقفنا في حضرة الله الواحد، نفعل ذلك بقوة الروح القدس، وباسم يسوع، ومُحاطين بسحابة كبيرة من الشهود. هذا هو جوهر الصلاة: الصلاة هي «حدث جماعي». بغضّ النظر عن مدى عمق صلاتنا «الخاصّة»، نحن نصلّي دائمًا بمعيّة القديسين.
يبدو من السذاجة أن نكون مُحاطين بجميع هؤلاء القديسين ولا نقول لهم كلمة أبدًا، كأنّ لا شركة لنا معهم! إكرام القديسين والصلاة معهم وطلب شفاعاتهم هو أحد عناصر الإيمان المسيحي، «الإيمان المُسلَّم مرَّةً للقدِّيسين» (يهو ١: ٣): أن المسيح قام وأقامنا معه.
٢. القدّيسين. في العهد الجديد، لا تشير كلمة «قديسين» بالعادة إلى مجرّد «أبرار مكمَّلين» (عب ١٢: ٢٣)، بل تشير بالغالب إلى «شعب الله». استُخدم لقب «قديسين» للمرة الأولى في الكنيسة، كإشارة خاصة لكنيسة أورشليم «جماعة القديسين». تؤمن الكنيسة أن المسيحيين هم «شعب مقدّس» لأنهم وَرَثة الموعد، «جنسٌ مختار، وكهنوتٌ ملوكي، أمةٌ مقدسة، شعب اقتناء» (١بط ٢: ٩)، صدىً لتأكيد الكتاب «لأنكم شعب مقدّس للربّ» (تث ٧: ٦).
ما معنى أنّ المسيحيين شعب مقدّس؟ بالتأكيد، ليست إشارة لسلوك معظمنا! هي إشارة إلى شيء أعمق بكثير، وهو أن الله وهب شعبه «أمورًا» مقدّسة: «القُدُسات للقدّيسين». أي أنّهم مَفروزون ومُخصّصون لله. قداستهم التي تلقّوها نعمةً، تُلزم المسيحيين العيش في طريق مقدّس. آمن المسيحيون الأوائل أنفسهم، ونؤمن اليوم، أنَّنا وَرَثة تلك القداسة الرسولية «المنقولة».
٣. قداستنا. تتطلّب القداسة من كلّ منا واجب السعي إلى القداسة. القداسة ليست «اختيارية». تؤكد الرسالة إلى العبرانيين أنه بدون قداسة لن يرى أحد الرب. لا يُعلن الله أنّنا مقدّسون، أو أبرار، أو صالحون فحسب، بل يخترقنا بروحه القدوس ويعمل في نفوسنا. القداسة هي عمل من أعمال الروح، ليست فريضة قانونية خارجية، بل قداسة داخلية. هكذا، يجلونا الله بروحه القدّوس لذا نحتفل بجميع القدّيسين في الأحد الأول للعنصرة.
يكرّر الله ويؤكّد مرارًا في الأنبياء «أنا وحدي القدوس». هذا نردّده في المجدلة الكبرى، «لأنك أنت وحدك قدوس، أنت وحدك الرب يسوع المسيح»، هذا موجّه إلى المسيح ربّنا. هو وحده قدوس، هو الوحيد الذي يستطيع أن يقدّسنا. نصير قديسين بسبب من شركتنا مع المسيح الرب. في المسيح تحقيق كل الوعود التي قُطعت لشعب الله. ينقل المسيح نعمة الآب بالروح القدس من خلال جسده إلينا بالمناولة، وهذا مظهر «مادي» للقداسة.
ولأن القداسة ليست «اختيارية»، كيف أصير قديسًا؟ بقبول المسيح فيَّ، بالشركة معه. تتغلغل قداسته في خلايا أجسادنا، فتجعلنا قدّيسين. لا قداسة لنا بمعزل عن المسيح. أيّ جهد نُسكي نستخدمه في اتجاه القداسة، وهذا واجب بالطبع، هو ببساطة، بقدر ما نقوى ونستطيع، إزالة للعوائق التي تعترض شركتنا مع «سحابة الشهود» بنعمة الله. وحده الله قادر أن يجعلنا قدّيسين. آمين.